الحاضر يوجه الماضي
الحاضر يوجه الماضي
المدخل:يتشكل فهمنا للتاريخ وتفسيرنا له إلى حد كبير من خلال منظورنا الحالي للواقع. فموقفنا من الأحداث المعاصرة هو ما يلقي بظلاله على قراءتنا للماضي، وليس العكس كما يفترض البعض. وعلى الرغم من أن التاريخ قد يمتلك قوة تأثير كبيرة على حاضرنا، فإن المتغيرات الحالية هي التي تحدد في النهاية طريقة تعاملنا معه.
تأثير الواقع المعاصر:يتجلى تأثير الحاضر بشكل واضح في المناهج والأساليب والرؤى التي يستخدمها المؤرخون المعاصرون في أطروحاتهم التاريخية. فعندما يعزو أحدهم مسار التاريخ إلى عوامل اقتصادية، فإن دافعه الأساسي لا يكمن في الأحداث الماضية، بل في إيمانه بنظرية اقتصادية معينة.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك السلسلة الطويلة من القراءات اليسارية للتراث التي ظهرت في القرن العشرين، والتي لم تبدأ مع عبد الرحمن الشرقاوي ولم تنته مع حسين مروة. كما ظهرت تفسيرات أخرى ربطت التاريخ بالصراعات الاجتماعية أو العوامل المناخية. وكل هذه الأفكار والرؤى هي وليدة الحاضر، ولم تكن معروفة لدى القدماء، الذين لم يستخدموها في قراءاتهم للتاريخ.
معارك الحاضر على أرض التاريخ:لا يقتصر تأثير الحاضر على المناهج والأساليب والرؤى في التعامل مع التاريخ، بل يتعداه إلى جميع معاركنا الفكرية والسياسية والثقافية والأدبية الدائرة على أرض التاريخ. فالحاضر هو الأساس في الحوارات والنقاشات المتعددة حول التاريخ. فعندما يعود أحدهم إلى الماضي لتحليل بنية العقل العربي، فإن هذا العقل هو نفسه الذي يعيش مآزق الحاضر، وبالتالي لا بد من الرجوع إلى الوراء للبحث عن جذور هذه الأزمة.
وبالمثل، فإن من يعاني من ثبات الأوضاع اليوم لا بد أن يرتحل في تراث ممتد ليقول إن فكرة الثبات كانت مهيمنة على مجتمعنا بشكل دائم. وقس على ذلك من نظّر إلى فكرة الأمة العربية أو انتقد التشرذم العربي، فقد وجد الاثنان في حوادث التاريخ ما يؤيد وجهة نظر كل منهما. وصولاً إلى تجارب التجديد في الأدب والشعر، فهناك من بحث عن جذور المسرح وقصيدة النثر والرواية في التراث القديم.
مفارقات قراءة التاريخ:يفرز هذا الزخم في قراءة التاريخ من منظور الحاضر أحيانًا مفارقات عدة، حيث تعتمد بعض الآراء المتناقضة في دعم وجهة نظرها على الواقعة نفسها. ويقرأها أحدهم من زاوية معينة، ويتأملها آخر من زاوية أخرى، ليخرجا بنتيجتين متناقضتين، مما قد يثير الحيرة بل ويدفع إلى الشك في الواقعة نفسها. وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن الحاضر هو الذي يسير التاريخ ويحركه، ولا يوجد أي حيرة في النموذج السابق، فهذه القراءة اعتمدت على تقنيات وأدوات تختلف عن تلك التقنيات والأدوات في القراءة الثانية فاختلفت النتيجة، ما يؤكد مرة ثالثة أن الحاضر هو من يوجه رؤيتنا للماضي.
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً