"عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة
مقدمة
عاش مراسل بي بي سي في غزة، عدنان البرش، لحظات مرعبة خلال تغطيته للحرب الأخيرة على القطاع، حيث تفصلنا هذه السطور عن تفاصيل الرواية التي كادت تقضي على حياته.
عشر دقائق فارقة
في أحد أيام الحرب الأولى، كان عدنان يقود سيارته باتجاه منزل شقيقه في جباليا شمال غزة، وكانت الأكياس مليئة بالإمدادات الأساسية تحسباً لتدهور الوضع. وفجأة، دوى صوت قصف عنيف لم يعرف مصدره، ثم جاء الخبر العاجل: قصف سوق مخيم جباليا.
في لحظات، تحولت السوق المزدحمة إلى أثر بعد عين، ولم يبقَ سوى الأكياس في مقعد السيارة، لتكون شاهدة على الدمار الذي حل بالمكان وأهله.
رحلة النزوح
تلقى عدنان إنذارًا بإخلاء شمال غزة، فاضطر هو وعائلته إلى الرحيل مع عشرات الآلاف من السكان. وصف رحلة النزوح المروعة بأنها أعادت إلى الأذهان مأساة التغريبة الفلسطينية عام 1948.
القصف داخل المستشفى
اتخذ عدنان وعائلته مأوى في مجمع الشفاء الطبي، لكن القصف طال المستشفى الذي شهد ولادة ابنته. شهد عدنان الأطفال والنساء المصابين، بينما كانت طفلة تصرخ على عمها ألا يتركها، وامرأة أخرى تنتظر دورها أمام غرفة العمليات بكسور في ساقيها.
في تلك اللحظة، أصيب عدنان وزميله المصور بصدمة وانهارا بالبكاء، فقد كان المشهد أقسى مما يمكن لأي مراسل أن يغطيه.
التشرد والحرمان
واصلت العائلة رحلتها إلى خان يونس ثم إلى مخيم النصيرات، لكن القصف لم يتوقف. أصبحت الوجبات نادرة، وحتى الخبز والمياه لم يكونا متوفرين. اضطر عدنان للتغلب على الحاجة إلى استخدام المرحاض، خوفًا من الوقوف في طوابير طويلة برائحة كريهة.
فقدان الأصدقاء والأقارب
تلقى عدنان أنباء مقتل أكثر من 200 شخص في جباليا، بينهم أصدقاء وأقارب وجيران. كان مشهد صديقه وائل الدحدوح يحتضن أبناءه المتوفين الملفوفين بالأكفان من أقسى اللحظات، والتي أثارت دموعه أثناء مداخلة على الهواء.
التهديد المستمر
مع تصاعد القصف، أصدر الجيش الإسرائيلي تهديدات بعملية برية واسعة. اضطر عدنان إلى التوجه إلى رفح، بينما بقيت عائلته في مخيم النصيرات. أبقت الأسئلة تدور في ذهنه: هل يذهب إلى رفح أم يعود لعائلته؟ هل يتحمل أن يفقد عائلته إلى الأبد؟
قرار صعب
بعد أسبوعين في رفح، تمكن عدنان من العودة إلى النصيرات مع زميله لجلب عائلته إلى رفح. لكن التحدي الأكبر كان قرار إخراج عائلته من غزة بدونه، بعد موافقة الجانب الإسرائيلي على خروج الأطفال دون أمهاتهم فقط.
لم الشمل والألم
اجتمع عدنان بعائلته بعد شهر في قطر. ومع حصولهم على الأمان، شعروا بالفقدان لكل شيء آخر. كل ليلة قبل النوم، تتداعى في ذهن عدنان صور الأصدقاء والأحبة الذين رحلوا، فيما بقي منهم يواجه الجوع في جباليا.
الخاتمة
يتوق عدنان إلى جباليا، مسقط رأسه، ويتساءل عن كيفية استعادة حياته الهادئة فيها. لم يتبقَ له سوى ألبوم صور طفولته وعائلة والكتب التي لم يتمكن من إنقاذها من منزله المدمر. ووسط الغربة والنعيم، يشعر عدنان بأن مذاق الطعام أشبه بالسم كلما فكر في أحبائه الذين يعانون في غزة.
بلغ عدد القتلى الفلسطينيين منذ بداية القصف أكثر من 34 ألفًا، معظمهم من النساء والأطفال. وتبقى قصة عدنان البرش شهادة حية على ويلات الحرب التي عانت منها غزة، وهي قصة كادت أن تنتهي بطريقة مأساوية، لولا عشر دقائق فارقة أنقذت حياته وقصته.
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً