حتى البحر يموت
![حتى البحر يموت حتى البحر يموت](https://img.3agel.news/gCcOq8HiWla61gIDfD-SRbWk35ldTIvV57ECn8bmto0/rs:fill:800:450:1:1/bG9jYWw/6Ly8vc3/RvcmFnZ/S9pbWFn/ZXMvdUt/5dnJ1cH/o4eVVIU/1NSM1Jv/RFk0Sjk/xNThEej/hDQjZEb/nB4M0Nt/bi53ZWJ/w.webp)
الجزء الأول: سحر البحر في الإسكندرية
من مقهى «السلسلة» الذي يطل على شاطئ الإسكندرية الفسيح، يسيطر البحر على المشهد، يمتد شاسعًا لا نهائيًا. قرب البحر في الصباح الباكر يثير فينا نوعًا من الجنون المحبب، يذكرنا بزيارة المتاحف والمقابر، ويسكننا ذهول يجعلنا كأننا مسحورون.
أفكر في كلمات أمين معلوف: «إذا أغلقت الأبواب أمامك فأبحر على متن سفينة، لأن هناك مدينة تنتظرك». تؤلمني كلماتي وأنا أرددها. هل الإسكندرية هي مكاني المأمول؟ وقد بلغتها بالطائرة والحافلة، فما الفرق بين الطرق الثلاثة؛ البر والبحر والجو؟ المهم هو أن تنفذ من بين شقوق الموت الذي سببه العجز والكآبة بأي وسيلة.
الجزء الثاني: انعكاسات الماضي على شاطئ الإسكندرية
جلست نحو ساعة وتناولت فطوري، ثم تمشيت على الكورنيش، والسماء تمطر ألوانها على الأمواج وهي ترتفع وتتحدر ثم تتكسر، مثل مرآة عظيمة تتحطم إلى شظايا تذوب مباشرة في الرمال. كم يبدو مسحورًا هذا الكهل الذي يدير ظهره إلى البحر ويغطي عينيه بنظارة سوداء ويدخن؟ امرأة تشغل يديها بأعمال الحياكة وتشرب العصير وتأكل الجبس وتدير ظهرها إلى البحر هي الأخرى. أما أكثر الذين صادفتهم انخطافًا فهي عجوز ترتدي ثوبًا رماديًا غامقًا مع زنار أزرق وتسبح بمسبحة تتدلى إلى الأرض. كأن هؤلاء الثلاثة نقلوا لي انعكاسات قديمة لأشخاص عاشوا في الماضي وانقرضوا وأعادهم البحر إلى الحياة في هذا الزمان. إنهم يديرون وجوههم عن البحر كي لا يبصروا في البعيد صورهم الأولى.
الجزء الثالث: النوم والذكريات والرؤى
عندما غابت الشمس في المساء قل وهج البحر وصار له لون الفولاذ المغسول والمترع بالقوة. كان يعبر السماء في تلك اللحظة سرب من طيور مهاجرة يأخذ شكل سهم. من هو الرامي؟ وما هو الهدف؟ في المدن البحرية تأخذ شوارعها، وحتى البعيدة منها، رائحة البحر التي تجعل سكانها يختلفون في النكهة وفي الطباع عن البقية، حتى يمكن القول إنهم كائنات بحرية من كثر ما جاوروا البحر. عندما آويت إلى فراشي في التاسعة مساء كنت أفكر في أمر الرجل ذي النظارتين السوداوين وكيف كان يعيش قبل خمسة آلاف عام.
لا أستطيع النوم وأنا أسمع هدير الموج قريبًا من غرفتي في الفندق، يهدر ويزبد. «حتى البحر يموت» يقول لوركا، وكان عليه أن يستثني بحر الإسكندرية. نهضتُ وأغلقتُ النافذة والأباجور كي لا يصلني صخب الشارع والبحر."انتهى
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً