معركة ميسلون.. كيف رسمت الهزيمة الطريق لمآسي سوريا الحديثة؟
معركة ميسلون
شهدت معركة ميسلون نقطة تحول فاصلة في تاريخ سوريا، ورسمت مسار الأحداث التي شكلت المآسي الحديثة للبلاد. إذ قسمت المعركة الدولة بين دولة الاستقلال المنشودة ودولة التبعية للمحتل الفرنسي، مما ألقى بظلاله على تاريخ البلاد طوال القرن الماضي.
التمهيد لمعركة ميسلون
يعود أصل الأحداث التي أدت إلى معركة ميسلون إلى الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909م، الذي أطلق العنان لسلسلة من الإخفاقات العسكرية العثمانية في العديد من الجبهات. واستغلت القوى العظمى مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا هذه المغامرات العسكرية لإعادة رسم تركة "الرجل المريض" كما وصفوا الدولة العثمانية، بما يتوافق مع مصالحهم الاستراتيجية.
مغامرات الاتحاديين وخسارة الشرق
ألقى الانقلابيون الاتحاديون بالثقل العثماني خلف الألمان في الحرب العالمية الأولى، مما وسع رقعة الحرب لتشمل الشرق الأوسط. كان جمال باشا، الحاكم العثماني لسوريا آنذاك، معروفًا بقسوته تجاه الحركة القومية العربية الناشئة، مما أدى إلى إعدام العديد من الشباب والمثقفين.
ردًا على ذلك، أعلن الشريف حسين أمير مكة عن الثورة العربية الكبرى، بهدف توحيد الجزيرة العربية والعراق والشام في دولة أو خلافة عربية، بالتحالف مع البريطانيين. اشتعلت المواجهة بين العرب والعثمانيين منذ ذلك الحين، بدعم من الكولونيل البريطاني توماس إدوارد لورانس (لورانس العرب)، وأسفرت عن هزيمة العثمانيين في حملات عام 1915 و1916.
سوريا مملكة عربية برعاية الحلفاء
نص اتفاق سايكس بيكو، الذي تم توقيعه بين بريطانيا وفرنسا عام 1916م، على إخضاع سواحل بلاد الشام وقليقية وجنوب الأناضول وسوريا الداخلية إلى الفرنسيين. ومع ذلك، سعى البريطانيون إلى تأخير تسليم سوريا لفرنسا، خوفًا من عواقب احتلال دمشق، أقدم العواصم الإسلامية.
عند دخول ممثل فرنسا إلى سوريا مع القائد البريطاني الجنرال ألنبي، أعلن ألنبي لفيصل ما يلي:
- فرنسا ستتولى المسؤولية عن حكم سوريا مؤقتًا.
- لن يكون فيصل ملكًا على سوريا.
أثار هذا الإعلان غضب فيصل، الذي لم يكن على علم بتفاصيل اتفاقية سايكس بيكو، واضطر إلى قبول الشروط تحت ضغط الأمر الواقع.
معركة ميسلون والاحتلال الفرنسي
أرسل الممثل الفرنسي هنري غورو إنذارًا رسميًا إلى حكومة فيصل في عام 1920م، يطلب فيه استسلام البلاد. وتحت ضغط الجماهير، أعلن فيصل المواجهة والدفاع عن سوريا، وعهد بهذه المهمة إلى وزير الحربية العقيد يوسف العظمة.
على الرغم من شجاعة المقاومين السوريين، فإن التفوق الفرنسي في التنظيم والتسليح كان واضحًا. واستمرت المعركة لمدة 6 ساعات، مما أسفر عن مقتل 400 جندي سوري وعربي مقابل 400 قتيل فرنسي وسينغالي، وكان من بين الشهداء وزير الحربية يوسف العظمة.
الفرنسيون ومأساة سوريا المعاصرة
دخل الفرنسيون بقيادة الجنرال غورو دمشق عقب هزيمة ميسلون، وأعلنوا سقوط حكومة فيصل وأنشؤوا حكومة موالية لهم، وبدأت فترة الانتداب الفرنسي التي استمرت حتى عام 1946م.
من نتائج الانتداب الفرنسي تقسيم سوريا على أسس طائفية وجهوية، مما أدى إلى عدم التوافق السياسي والفكري بين المدنيين، والذي رسخه الفرنسيون إلى صعود طبقة العسكريين لتسلم زمام الحكم. وشهدت سوريا أول انقلاب عسكري في عام 1949م بقيادة حسني الزعيم، وتتالت الانقلابات العسكرية فيما بعد حتى وصول حزب البعث عام 1963م ثم انفراد حافظ الأسد بالسلطة المطلقة عام 1970.
وبالتالي، كانت المأساة السورية المعاصرة جزءًا أصيلا من نتائج معركة ميسلون التي رسخت للاحتلال الفرنسي، وما نجم عنه بعدها.
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً