العرب ودولة الإنسان
الدولة الأيديولوجية ودورها في تهميش قضايا المواطن
كان للعالم العربي نصيب من الأيديولوجيات المختلفة التي انتشرت حول العالم، وتركزت حول الأفكار والمفاهيم الفلسفية، حتى تمكنت بعضها من تشكيل دول قائمة على مبادئها. وهكذا، فقد ظهرت دول تبنت النظرية الماركسية، وأخرى نظمت شؤونها وفقًا للنظرية القومية، ومثلها تحولت دول أخرى إلى فلسفات أيديولوجية مختلفة.
الصراعات الأيديولوجية على حساب رفاهية المواطن
دخلت هذه الدول الأيديولوجية في صراعات مكشوفة، حيث سعى كل طرف إلى فرض أيديولوجيته وإثبات تفوقها على حساب مصالح الأمة وأمن المجتمعات العربية. وعلى الرغم من الخلافات الدامية بين هذه الأيديولوجيات، إلا أن قواسم مشتركة جمعتها، ومن أهمها تجاهل متطلبات المواطن العربي وحقوقه الأساسية.
الإهمال الصارخ لحقوق الإنسان ورفاهية المواطن
يكشف الواقع في الدول الأيديولوجية والتجارب التي مرت بها عن تبديد ثرواتها وإمكاناتها على نشر أفكارها الحزبية والأيديولوجية، في حين أن احتياجات المواطن، سواء الفردية أو الجماعية، غائبة تمامًا عن أولويات هذه الدول. ولم تكن حقوق الإنسان الأساسية محل اهتمام أو دفاع في هذه الأنظمة، بل كان المواطن في أدنى سلم اهتمامات السلطة الحاكمة.
وعلى الرغم من الشعارات الثورية والتقدمية التي رفعتها هذه الدول، فقد عانى مواطنوها من الفقر والحاجة والصعوبات المعيشية المختلفة. فلم تحقق هذه الدول أي إنجازات تذكر لمواطنيها، ولم تلبِ حتى أبسط مطالبهم. بل على العكس، فقد زادت التجزئة والتشظي في الدول التي رفعت شعار الوحدة، وأصبحت الطبقات المحرومة هي أولى ضحايا الدول التي ادعت الدفاع عنها.
خيانة الدولة لمبادئها وتداعياتها على المواطن
يشير الدكتور برهان غليون إلى أن أزمة الدولة الأيديولوجية أعمق من أن تُختزل في أزمة النظام، بل إنها أزمة في فكرة الدولة ذاتها. وتتجلى هذه الأزمة في عجز الدولة عن تحقيق الأهداف التي ادعت السعي لتحقيقها، ما أدى إلى تلاشي الولاء للسلطة الوطنية والانتماء للمشروع الذي تقترحه على المجتمع.
وهذا يعني أن عدم قدرة الدولة على تحقيق تقدم ملموس للمواطن قد أدى إلى تنامي الاقتناع بأن مشروع الدولة الأيديولوجية لا يمكن أن يكون مدخلاً للتقدم الإنساني. وبالتالي، فقد تحولت القيم التي كانت تُروج لها الدولة إلى قيم تدفع الجمهور إلى رفضها والتنكر لها.
لقد أدت عدم فاعلية البرامج الوطنية وعيوبها إلى فقدان الدولة توازنها المادي والمعنوي، وفقدانها لهويتها ومقدرتها على استقطاب الولاء وتحقيق الاندماج والإجماع. والدول الأيديولوجية التي استخدمت كل إمكانات الدولة لتعميم أيديولوجيتها وقهر الناس على خياراتها ومتبنياتها السياسية والثقافية، هي ذاتها الدول التي أجهضت كل مشروعات التحرر الحقيقي والخروج من مآزق الواقع.
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً