أزمة ثقافيّة عميقة في الغرب
أزمة ثقافية عميقة في الغرب بسبب الحرب على غزة
أفرزت الحرب الإسرائيلية على غزة موجة عارمة من الأحداث المثيرة للجدل والتي طالت مساحات واسعة من الأنشطة الثقافية والفنية والموسيقية، وعبر ساحات متباينة تشمل الجامعات ومعارض الكتب والمهرجانات الثقافية والحفلات الموسيقية والجوائز الأدبية والأمسيات الشعرية وحتى صفحات الصحف وقاعات المحاكم. كما امتد نطاقها ليشمل شتى أنحاء الغرب تقريبًا من أقصى الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى شرقي أستراليا، مارًا بعواصم الغرب الثقافية وحواضره الأكاديمية، مما دفع بالعديدين إلى الجزم بأن الغرب غارق في خضم أزمة ثقافية عميقة هزت وجدانه وأزعجت مزاجه.
ابتدأت مظاهر الأزمة الثقافية في الغرب تتجاوز سريعًا حدود الانقسامات التقليدية في الديمقراطيات إلى شقاق عميق داخل النخب السياسية والأكاديمية والاقتصادية، وفي قلب الطبقات والفئات العرقية والدينية المختلفة، حتى بين اليهود الغربيين أنفسهم، واستدعت نوعًا من الاختلاف القيمي يتجاوز الصراعات حول الهويات الثقافية والجندرية التي سادت خلال العقد السابق، إلى اصطفافات غريبة وغير مألوفة في السياقات الغربية، انطلاقًا من الموقف السياسي المعلن من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وصولاً إلى الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الفنية.
وتشكل مواقف حزب المحافظين البريطاني الداعمة لإسرائيل أحد الأمثلة على ذلك، إذ كان موقف الحزب المؤيد بشدة لإسرائيل عاملًا في تراجع شعبية مرشحيه ودفع العديد من الناخبين البريطانيين، ولا سيما المنحدرين من أصول مسلمة وعربية وأفريقية، للتصويت لصالح مرشحين مستقلين من حزب الخضر أو الحزب الليبرالي الديمقراطي الذين أعلنوا صراحة عن دعمهم للشعب الفلسطيني.
تداعيات الأزمة: مقاطعة طلابية لجامعات إسرائيلية
أخذت الأزمة حيزًا أكبر في الخيارات المتاحة مثل خيارات الاستثمار العام، حيث طالب طلاب جامعيون محتجون في الولايات المتحدة وبريطانيا وإيرلندا بإلغاء الاستثمارات الجامعية في الشركات التي تزود إسرائيل بالأسلحة والتقنيات العسكرية والبالغة قيمتها في الولايات المتحدة وحدها 500 مليار دولار. كما تصر الجماعات الطلابية أيضًا على أن تنفذ جامعاتهم مقاطعة أكاديمية للجامعات ومراكز الأبحاث في إسرائيل بوصفها شريكة في جهود الجيش الإسرائيلي الحربية.
تجارب شخصية مؤلمة
استوحت الفنانة الموسيقية الطليعية لوري أندرسون تجربتها الشخصية في وصف التدهور الأخلاقي والديمقراطي في الغرب، فعلقت قائلةً إنها جاءت إلى برلين في بداية شبابها في التسعينيات لأن المدينة كانت في وقتٍ ما منارةً للحريات ومهدًا للتجارب الفنية، لكن المشهد انقلب كليًا بعد اندلاع الحرب على غزة.
أشارت أندرسون إلى دعوتها مؤخرًا لتولي منصب أكاديمي مرموق في إحدى المدارس الفنية العريقة بألمانيا، لكن إدارة المدرسة استجوبتها عن أفكارها السياسية بعد توقيعها، إلى جانب 16 ألف فنان ومثقف وأكاديمي آخرين، على رسالة مفتوحة نددت بسياسة الفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ونتيجة لذلك، قررت أندرسون الانسحاب والتخلي عن المنصب.
تعد خيبة أمل أندرسون في الديمقراطية الغربية نموذجًا لملايين الأشخاص في الغرب الذين تغيرت نظرتهم إلى محيطهم الثقافي والاجتماعي جذريًا خلال أشهر قليلة. ومن المؤكد أن هذه التحولات العريضة سيكون لها آثار مباشرة وبعيدة المدى على المنطق الفلسفي لأنظمة الديمقراطيات الغربية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً